حول الهمم وخوارقها:
ولقد كنت أشمئز عندما يصفني أحد الأحبة بأوصاف دالة على المدح لفخامة الصفات في حد ذاتها لعدم تنزلها علي في الحقيقة، ويضيق صدري من سماعها أو رؤيتها في رسالة خاطبني بها لبعد ما بيني وبينها، فصرت الآن لا أستنكف ذلك رجاء تحقيق ذلك في جانبي، فإن لسان الخلق قلم الحق، وإن لله عبادا إذا وصفوا أحدا بوصف اتصف به لا محالة فيقول أحدهم للجاهل يا عالم فيحصل له العلم ونحو ذلك مما هو محمود وممدوح، ولا بدع في مثل ذلك فإن للهمم أسرارا نافذة وخوارق غير معتادة للنفس أخذها، وعسى أن ينفعنا الله بأهل محبتنا بصدق محبتهم ونرجو من المولى أن ينفعهم بها.(تيجان الغواني)
أما ما ذكرت من العوارض الحائلة بينك وما تقصد من عمل الآخرة فاعلم أن سببه ما تمكن من نفسك من الميل إلى الراحات واقتحام ما تقدر عليه من الشهوات فإنها سمعت مقام المعرفة بالله حاصل لها بلا تعب فمالت إلى ما يقتضيه هواها من الراحات فلو أنها علمت أن مقصودها من المعرفة لا يحصل لها إلا إذا جدت فيما هو من أمر الطريق معروف وفارقت كل مألوف لأجابت إلى ما يراد منها من المجاهدة لأنها تزيد الظفر بمطلوبها فلما سمعت أنه يحصل لها بلا تعب لم تجد إلى ما يراد منها من المجاهدة ومفارقة الحظوظ (تيجان الغواني)
وإني تخوفت عليك من طلبك الأغراض منا أن تنقطع عنا وليس ذلك من جهتي وإنما هو من جهة إكثارك منها فإذا طال أمرك ولم تر شيئا من أغراضك قال لك الوساوس ليس تم شيء يرجى ولا فائدة تجتنى فانهدم قصر اقتصارك علينا برغبتك في غيرنا فتنقطع المحبة من أصلها (تيجان الغواني)
وأما ما طلبت من الضمان في المعرفة في الله من كونها صافية من اللبس ممزوجة حقيقتها بالشريعة فإن أمرها لا يكون إلا كذلك لا غير فلا تحتاج إلى ضمانة (تيجان الغواني)