عالم الذر:
اعلم أن للأرواح ابتداعين و اختراعين: الابتداع الأول هو كتبها في اللوح المحفوظ لأن الله كتب مقاديرها و أزمنتها و أمكنتها و كل ما أراد الله منها و بها و لها من بدئها إلى الاستقرار في الدارين، و الابتداع الثاني هو خلق الأرواح و إخراجها من العدم إلى الوجود، قال رضي الله عنه: و الاختراع الأول هو إخراج جميع الأرواح من ظهر أبينا آدم عليه الصلاة و السلام مثل الذر، قيل إنه ببطن نعمان و أخذ عليها الميثاق سبحانه و تعالى، والاختراع الثاني هو خلق كل إنسان في وقته، ثم قال، و في الاختراع الأول دعاها النبي صلى الله عليه و سلم بالإيمان بالله و به صلى الله عليه و سلم فمن أجابه في ذلك الوقت فهو المؤمن في عالم ظهور الأشباح و من لم يجبه في ذلك الوقت فهو الكافر في الدنيا و من أجاب و رجع هناك فهو كذلك في عالم ظهور الأشباح و من لم يجب هناك أولا ثم أجاب بعد مدة فهو كذلك في هذا العالم و ما ظهر هنا إلا ما وقع هناك شبرا بشبر. و في الابتداع الثاني تميز المؤمن من الكافر،
و في الحديث إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور فهو المؤمن و الذي لم يصبه ذلك النور هو الكافر و هذا هو ما أشار إليه الشيخ الأكبر في صلاته بالنور المرشوش في الأزل، قال: صلاة تكحل بها بصيرتي بالنور المرشوش في الأزل، ثم قال شيخنا رضي الله عنه و لما تجلى الحق للأرواح عند أخذه العهد منها تطايرت من الهيبة و الجلال فكل من وصل إلى موضع من الأرض في ذلك الوقت استقر فيه حين خلقه الله في الاختراع الثاني فواحد يسكن موضعا و واحد موضعين أو أكثر بحسب ذلك التطاير و كذلك المحبة بين الخلق وقعت عند هذا التطاير بحسب المقابلة و المدابرة ، قال صلى الله عليه و سلم: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف".
هذا و اعلم أن الروح لم تكن عالمة لما يؤول إليه أمرها حين خلقها في البرزخ قبل التركيب في الجسم فهي لم تكن تدري لماذا خلقت و لا ماذا يراد بها إلى أن ظهر أخذ الميثاق و حمل الأمانة فعرفت حينئذ ما أراد بها تكليفا و لم تدر عاقبتها من سعادة أو شقاوة. والروح هي المأخوذ عليها الميثاق وهي المثابة والمعذبة وهي المنعمة والمنغضة فلا ينالها عذاب ولا نعيم إلا بواسطة جسم بالاختيار الإلهي فقط فهي مركبة في هذا الجسم تعذب بعذابه و تنعم بنعيمه و بعد الموت تركب في البرزخ في جسد آخر تدرك بسببه النعيم والعذاب يشهد لذلك قوله صلى الله عليه و سلم أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر و قوله صلى الله عليه و سلم إذا مات المؤمن أعطى نصف الجنة الحديث و المراد بهذا التنصيف نصف النعيم في الجنة لأن كمال النعيم في الجنة باجتماع الروح و الجسد فلها نصف النعيم و له نصف النعيم و لعدم تركيبها في جسدها في البرزخ تتنعم بدونه في الجنة فلها نصف النعيم.